فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

إخواني أين أحبابكم الَّذِينَ سلفوا أين أترابكم الَّذِينَ رحلوا وانصرفوا، أين أصحاب الأموال وما خلفوا.
ندموا والله عَلَى التفريط يا ليتهم عرفوا هول مقام يشيب منه الوليد، إِذَا: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.
فواعجباً لك كُلَّما دعيت إلي الله توانيت، وكُلَّما حركتك المواعظ إلي الخيرات أبيت، وعَلَى غيك وجهلك تماديت، وَكم حذرت من المنون فما التفت إلي قول الناصح وتركته وما باليت.
يا من جسده حي ولكن قَلْبهُ ميت، ستعاين عِنْدَ قدوم هادم اللذات ما لا تشتهي وتريد: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.
كم أزعج الموت نفوساً من ديارها، وَكم أتلف البلي من أجساد منعمة لم يدارها، وَكم أذل فِي التُّرَاب وجوها ناعمة بعد رفعتها واستقرارها.
انتبه يا أخي فالدُّنْيَا أضغاث أحلام، ودار فناء لَيْسَتْ بدار مقام، ستعرف وتفهم نصحي لك بعد أيام.
وما غاب عنكَ ستراه عَلَى التمام إِذَا أكشف الغطاء عنكَ وصار بصرك حديد، وهناك تندم ولات ساعة ندم.
قُلْ لِلَّذِي أَلِفَ الذُّنُوبَ وأجْرَمَا ** وغَدَ عَلَى زَلاَّتِهِ مُتَنَدِمَا

لاَ تَيْأَسَنْ واطْلُبَ كَرِيماً دَائِمَاً ** يُوْلِي الجَمِيْل تَفَضُلاً وتَكَرُّمَا

يَا مَعْشَرَ العَاصِيْنَ جُوْدٌ وَاسِعٌ ** عِنْدَ الإلَه لِمَنْ يَتُوبُ ويَنْدَمَا

يَا أَيُّهَا الْعَبْدُ المُسِيء إِلى مَتَى ** تُفْني زَمَانَكَ فِي عَسَى ولَرُبَّمَا

بَادِرْ إِلى مَوْلاَكَ يَا مَنْ عُمْرُهُ ** قَدْ ضَاعَ فِي عِصْيَانِهِ وتَصَرَّمَا

واسْأَلَهُ تَوفِيقاً وعَفْواً ثُمَّ قُلْ ** يَا رَّبُ بَصِرْنِي وَزِلْ عني الْعَمَا

ثُمَّ الصَّلاَة عَلَى النَّبِيّ أَجَلُّ مَنْ ** قَدْ خُصَّ بِالتَّقْرِيْبِ مِنْ رَّبِ السَّمَا

وعَلَى صَحَابَتِهِ الأفَاضَلِ كُلّهِمِ ** مَا سَبَّحَ الدّاعِي الإلَه وعَظَّمَا

اللَّهُمَّ أنظمنا فِي سلك حزبك المفلحين، وَاجْعَلْنَا مِنْ عبادك المخلصين، وآمنا يوم الفزع الأكبر يوم الدين، واحشرنا مَعَ الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
قال أحد العلماء: اعلم أن الْقَلْب كالحصن وعَلَى ذَلِكَ الحصن سور وللسور أبواب وفِيه ثُلَمٌ وساكنه العقل والملائكة تتردد إلي ذَلِكَ الحصن وإلي جانب الحصن ريض وَهُوَ المكَانَ يؤوي إليه، وفِيه الهَوَى والشياطين تختلف إلي ذَلِكَ الريض من غَيْر مانع والحرب قائم بين أَهْل الحصن وأَهْل الريض والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غَفْلَة الحارس والعبور من بعض الثلم وأن لا يفتر الحراسة لحظة فإن الْعَدُوّ لا يفتر.
وينحصر الشيطان فِي ستة أجناس لا يزال بابن آدم حتي ينال منه واحداً منها أو أكثر.
أحدها شر الكفر والشرك.
ثانياً البدعة.
ثالثا كبائر الذُّنُوب.
رابعاً الصغائر.
ثُمَّ الاشتغال بالمباحات عن الاستكثار من الطاعات.
ثُمَّ الاشتغال بالمفضول عن الفاضل.
والأسباب التي يعتصم بِهَا الْعَبْد من الشيطان عشرة.
أولها الاستعاذة بِاللهِ.
ثانياً قراءة المعوذتين.
ثالثا قراءة آية الكرسي.
رابعاً قراءة البقرة.
خامساً قراءة أول سورة حم المُؤْمِن إلي: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
سابعاً لا إله إلا الله وحده لا شريك لَهُ له الملك والحمد وَهُوَ عَلَى كُلّ شيء قدير مائة مرة.
ثامناً كثرة ذكر الله.
تاسعاً الوضوء مَعَ الصَّلاة.
عاشراً إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة النَّاس. انتهي وختاماً فأَهْل التقوي لا يتعذرعَلَيْهمْ سد أبواب الشيطان وحفظها بالحراسة أي الأبواب الظاهرة والطرق الجلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة.
وإنما يتعثرون فِي طرقه الغامضة فَأنَّهُمْ لا يهتدون إليها فيحرسونها لأن الأبواب المفتوحة إلي الْقَلْب للشيطان كثيرة.
وباب الملائكة باب واحد وقَدْ التبس ذَلِكَ الْبَاب الواحد بهذه الأبواب الكثيرة، فالْعَبْد فيها كالمسافر الَّذِي يبقي فِي بادية كثيرة الطرق غامضة.
المسالك فِي ليلة مظلمة فلا يكاد يعلم الطَرِيق إلا بعين بصيرة وطلوع شمس مشرقة.
والعين البصيرة هاهنا هِيَ الْقَلْب المصفِي بالتقوي والشمس المشرقة هي العلم العزير المستفاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يهتدي به إلي غوامض طرقه وإلا فطرقة كثيرة وغامضة.
قال عَبْد اللهِ بن مسعود رَضِيَ اللهُ عنهُ خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْماً خطاً وَقَالَ: «هَذَا سبيل الله» ثُمَّ خط خطوطاً عن يمين الخط وعن شماله ثُمَّ قال: «هذه سبل عَلَى كُلّ سبيل شيطان يدعو إليه».
ثُمَّ تلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عن سَبِيلِهِ}.
وَقَالَ أحد العلماء يجب عَلَى المُؤْمِن أن يحب العلماء العاملين بعلمهم حَقِيقَة البعيدين عن الانهماك فِي الدُّنْيَا البعيدين عن الرياء وحب الشهرة والظهور والوقوع فِي أعراض النَّاس الغافلين.
السالمين من الحسد والكبر والعجب ويلازم مجالسهم ويسألهم عما أشكل عَلَيْهِ ويتعظ بنصحهم.
ويجتنب الأعمال القبيحة ويتخذ الشيطان عدواً كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}.
أي فعادوه بطاعة الله تعالى ولا تطيعوه فِي معاصي الله تعالى وكونوا عَلَى حذر منه فِي جَمِيع أحوالكمْ وأفعالكمْ وعقائدكمْ.
وإِذَا فعلتم فعلاً فتفطنوا لَهُ فإنه ربما يدخل عليكم الرياء، ويزين لكم القبائح والفواحش واستعينوا عَلَيْهِ بربكم، وتعوذوا بِاللهِ منه.
المهم أنك إِذَا علمت أن الشيطان لعنه الله لا يغفل عنكَ أبداً فلا تغفل عمن ناصيتك بيده وَهُوَ الله جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته الزم ذكره وحمده وشكره.
فالشيطان عدو مسلط عَلَى الإنسان ومقتضي ذَلِكَ أن لا يوَجَدَ منه غَفْلَة ولا فترة عَن التزيين والإغواء والإضلال.
قال تعالى إخباراً عما قاله إبلَيْسُ: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعن أَيْمَانهمْ وَعن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} وَقَالَ: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.
اللَّهُمَّ اجعلنا من المتقين الأبْرَار وأسكنا معهم فِي دار القرار، اللَّهُمَّ وفقنا بحسن الإقبال عَلَيْكَ والإصغاء إليك ووفقنا للتعاون فِي طَاعَتكَ والمبادرة إلي خدمتك وحسن الأدب فِي معاملتك والتسليم لأَمْرِكَ والرِّضَا بقضائك والصبر عَلَى بَلائِكَ وَالشُّكْر لنعمائك، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وآله أجمعين.
فصل:
قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} الآية إِذَا فهمت ذَلِكَ فعَلَيْكَ بتحقيق العبودية لله، والتوكل عَلَيْهِ، والافتقار فِي أحوالك إليه، واستعاذتك به من شر عَدُوّكَ وعدوه، فبذَلِكَ تنجو من سلطته، وتنجو من غائلته.
قال الله جَلَّ وَعَلا: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
فمن تحقق بهذه الصفات العلية من الإيمان بِاللهِ تعالى، والعبودية به والتوكل عَلَيْهِ، واللجَاء والافتقار إليه، والاستعاذة، والاستجارة به، كيف يكون لعدو الله عَلَيْهِ سلطان، والله حبيبه وولي حفظه ونصره.
وفِي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلي الله فِي الرخاء يعرفك فِي الشدة».
فالشأن فِي الْعَبْد يكون بينه وبين ربه معرفة خاصة بقَلْبه بحيث تجده قريباً منه يستأنس به فِي خلوته ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته.
ولا يجد ذَلِكَ إلا من أطاعه فِي سره وعلانيته ومتي وَجَدَ الْعَبْد هَذَا فقَدْ عرف ربه وصار بينه وبينه معرفة خاصة.
فإِذَا سأله أعطاه وإِذَا دعاه أجابه والْعَبْد لا يزال فِي كرب وشدائد فِي الدُّنْيَا، وفِي البرزخ، وفِي الموقف، فإِذَا كَانَ بينه وبين ربه معرفة خاصة كفاه الله ذَلِكَ كله.
وهَذَا هُوَ المشار إليه فِي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس تعرف إلي الله فِي الرخاء يعرفك فِي الشدة.
فالعلم ما عرف الْعَبْد ربه، ودله عَلَيْهِ حتي عرفه، ووحده وأكثر من ذكره، وحمده وشكره وأنس به، واستحيا من قربه، وعبده كأنه يراه.
فالشأن كله فِي أن الْعَبْد يستدل بالعلم عَلَى ربه، فيعرفه فإِذَا عرف ربه فقَدْ وجده منه قريباً، ومتي وجده منه قريباً قربه إليه وأجاب دعاءه.
كما فِي الأثر الإسرائيلي ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كُلّ شيء.
فأصل العلم العلم بِاللهِ الَّذِي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والإنس به، ثُمَّ يتلوه العلم بأحكام الله، وما يحبه ويرضاه من الْعَبْد من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد.
فمن تحقق بهذين العلمين كَانَ علمه عِلماً نافعاً، وحصل لَهُ العلم النافع والْقَلْب الخاشع والنفس القانعة والدُّعَاء المسموع.
ومن فاته هَذَا العلم النافع وقع فِي الأربع التي استعاذ منه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وصار علمه وبإلا وحجةً عَلَيْهِ فلم يتنفع به.
لأنه لم يخشع قَلْبهُ لربه ولم تشبع نَفْسهُ من الدُّنْيَا، بل ازداد حرصاً عَلَيْهَا وطلباً لها، ولم يسمَع دعاؤه، لعدم امتثاله لأوامر ربه، وعدم اجتنابه لما يسخطه ويكرهه.
هَذَا إن كَانَ علمه عِلماً يمكن الانتفاع به وَهُوَ المتلقي عن اْلكِتَاب والسنة.
فإن كَانَ متلقي من غَيْر ذَلِكَ فهو غَيْر نافع فِي نَفْسه ولا يمكن الانتفاع به بل ضرره أكثر من نفعه.
وعلامة هَذَا العلم الَّذِي لا ينفع أن يكسب صاحبه الزهو والفخر والخيلاء وطلب العلو والرفعة فِي الدُّنْيَا والمنافسة فيها وطلب مباهاة العلماء ومماراة السفهاء ويصرف به وجوه النَّاس. وقَدْ ورد عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن من طلب العلم ليجاريَ به العلماء أو ليماريَ به السفهاء ويصرف به وجوه النَّاس أدخله الله النار.
ولبعض العلماء:
يَقُولُونَ لِي هَلاَّ نَهَضَتَ إِلى العُلاَ ** فَمَا لَذَّ عَيْشُ الصَّابِرِ المُتَقَنِّعِ

وَهَلاَ شَدَدْتَ العِيْسَ حَتَى تَحُلَّها ** بِمِصْرٍ إِلى ظِلِ الجَنَابِ المُرَفِعِ

فَفِيها قُضَاةٌ لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهُمُوا ** تَعَيَّنُ كَوْنَ العِمْ ِغَيْرَ مُضَيَّعِ

وَفِيها شُيُوخُ الدِيْنِ وَالفَضْلِ وَالأوْلَى ** يُشِيْرُ إِليْهِمْ بَالعُلاَ كُلُّ أُصْبُعِ

وَفِيها وَفِيها وَالمَهَانَةُ ذِلَّةٌ ** فَقُمُ واسْعَ وَاقْصِدْ بَابَ رِزْقِكَ وَاقْرَعِ

فقُلْتُ نَعْمْ أَسْعَى إِذَا شِئْتُ أَنْ أُرِى ** ذَلِيْلاً مُهَاناً مُسْتَخَفاً بِمَوَضِعِي

وَأَسْعَى إِذَا مَا لَذَّ لي طُوْلُ مَوْقِفِي ** عَلَى بَابِ مَحْجُوْبِ اللِقَاءِ مُمَنَّعِ

وَأَسْعَى إِذَا كَانَ النِفَاقُ طَرِيْقَتِي ** أَرُوْحُ وَأَغْدُوْ فِي ثِيَابِ التَّصَنُّعِ

وَأَسْعَى إِذَا لم يَبْقَ فِي بَقِيَّةٌ ** أُرَاعِيْ بِهَا حَقَّ التُّقَى وَالتَّوَرُعِ

فَكم بَيْنَ أَرْبَابِ الصُدُوْرِ مَجَالِساً ** تُشَبُّ بِهَا نَّارُ الغَضَى بَيْنَ أَضْلُعِيْ

وَكم بَيْنَ أَرْبَابِ العُلُوْمِ وَأَهْلِهَا ** إِذَا بَحَثُوْا فِي المُشْكِلاَتِ بِمَجْمَعِ

مُنَاظَرَةً تُحْمِي النُّفُوسَ فَتَنْتَهِي ** وَقَدْ شَرَعُوا فِيها إِلى شَرِّ مَشْرَعِ

إِلى السَّفَهِ المُزْرِيْ بِمَنْصِبِ أَهْلِهِ ** أَوْ الصَّمْتِ عن حَقٍ هُنَاكَ مُضَيَّعِ

فَإِمَّا تَوَقَّى مَسْلَكَ الدِيْنِ وَالتُقَى ** وَإِمَا تَلَقَّى عُصَّة المُتَجَرّعِ

آخر:
أنِسْتُ بِلأَوَاءِ الزَمَانِ وَذِلِهِ ** فَيَا عِزَّةَ الدُّنْيَا عَلَيْكِ سَلاَمُ

إِلى كم أُعَانِي تِيْهَهَا وَدَلاَلَهَا ** أَلم يَأْنِ عنهَا سَلْوُة وَسَامُ

وقَدْ أَخْلَقَ الأيَّامُ جِلْبَابَ حُسْنِهَا ** وَأَضْحَتْ وَدِيْبَاجُ البَهَاءِ مَسَامُ

عَلَى حِيْنِ شَيْبٍّ قَدْ ألَمَّ بَمَفْرِقِي ** وَعَادَ رُهَامُ الشَّعْرِ وَهُوَ ثَغَامُ

طَلاَئِعُ ضَعْفٍ قَدْ أَغَارَتْ عَلَى القُوَى ** وَثَارَ بِمَيْدَانِ المِزَاجِ قَتَامُ

فَلاَ هِيَ فِي بُرْجِ الجَمَالِ مُقِيْمَةٌ ** وَلاَ أَنَا فِي عَهْدِ المُجُونِ مُدَامُ

تَقَطَّعَتْ الأسْبَابُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ** ولم يَبْقَ فِينَا نِسْبَةٌ وَلِئَامُ

وَعَادَتْ قَلُوصُ العَزْمِ عَنِّي كَلِيْلَةً ** وقَدْ جُبَّ مِنْهَا غَارِبٌ وَسَنَامُ

كَأَنِّي بِهَا والْقَلْبُ زُمَّتْ رِكَابُهُ ** وَقِّوَض أَبْيَاتٌ لَهُ وَخِيَامُ

وَسِيْقَتْ إِلى دَارِ الخُمُولِ حُمُولُهُ ** يَحُنُّ إِلَيْهَا وَالدُمُوعُ رُهَامُ

حَنِيْنَ عَجُولٍ غَرَّهَا البَوُّ فَانْثَنَتْ ** إِلَيْهِ وَفِيها أَنَّةٌ وَضُغَامُ

تَوَلَّتْ لَيَالٍ لِلْمَسَرَّاتِ وَانْقَضَتْ ** لِكُلِّ زَمَانٍ غَايَةٌ وَتَمَامُ

فَسَرْعَانَ مَا مَرَّتْ وَوَلَّتْ وَلَيْتَهَا ** تَدُوْمُ وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامُ

دُهُورٌ تَقَضَّتْ بِالمَسَرَّاتِ سَاعَةً ** وَيَوْمُ تَوَلَّى بِالمَسَاءَةِ عَامُ

فَلِلَّهِ دَرُّ الغَمِ حَيْثُ أَمَدَّنِي ** بِطُولِ حَيَاةٍ والهُمُومُ سِهَامُ

أَسِيْرُ بِتَيْمَاءِ التَّحَيُرِ مُفْرَداً ** وَلِي مَعَ صَحْبِي عِشْرَةٌ وَنَدَامُ

وَكم عِشْرَةٍ مَا أَوْرَثَتْ غَيْرَ عُسْرَةٍ ** وَرُبَّ كَلاَمِ فِي القُلُوبِ كُلاَمُ

فَمَا عِشْتُ لاَ أنْسَى حُقُوقَ صَنِيْعِهِ ** وَهَيْهَاتَ أَنْ يُنْسَى لَدَيَّ ذِمَامُ

كَمَا اعْتَادَ أَبْنَاءُ الزَّمَانِ وَأَجْمَعَتْ ** عَلَيْهِ فِئَامٌ إِثْرَ ذَاكَ قِيَامُ

خَبَتْ نَارُ أعْلاَمِ المَعَارِفِ وَالهُدَى ** وَشُبَّ لِنِيْرَانِ الضَّلاَلِ ضُرَامُ

وكَانَ سَرِيْرُ العِلْمِ صَرْحاً مُمَرَّداً ** يُنَاغِي القِبَابَ السَّبْعَ وَهِي عِظَامُ

مَتِيْناً رَفِيعاً لاَ يُطَارُ غُرابُهُ ** عَزيْزاً مَنِيْعاً لاَ يَكَادُ يُرَامُ

يَلُوحُ سَنَا بَرْقِ الهُدَى مِنْ بُرُوْجِهِ ** كَبَرْقٍ بَدَا بَيْنَ السِّحَابِ يُشَامُ

فَجَرَّتْ عَلَيْهِ الرَاسِيَاتُ ذُيُولَهَا ** فَخَرَّتْ عُرُوشٌ مِنْهُ ثُمَّ دَعَامُ

وَسِيْقَ إِلى دَارِ المُهَانَةِ أهْلُهُ ** مَسَاقَ أَسَيْرٍ لاَ يَزَالُ يُضَامُ

كَذَا تَجْرِيَ الأيَّامُ بَيْنَ الوَرَى عَلَى ** طَرَائِقَ مِنْهَا جَائِرٌ وَقَوَامُ

فَمَا كُلُّ مَا قَدْ قِيْلَ عِلْمٌ وَحِكْمَةٌ ** وَمَا كُلُّ أَفْرَادِ الحَدِيْدِ حُسَامُ

وَلِلدَّهْرِ ثَارَاتٌ تَمْرُّ عَلَى الفَتَى ** نَعِيْمٌ وَبُؤْسٌ صِحَّةٌ وَسَقَامُ

وَمَنْ يَكُ فِي الدُّنْيَا فَلاَ يَعْتِبَّنْهَا ** فلَيْسَ عَلَيْهَا مَعْتَبٌ وَمَلاَمُ

أَجِدَّكَ مَا الدُّنْيَا وَمَاذَا مَتَاعُهَا ** وَمَاذَا الَّذِي تَبْغِيْهِ فَهُوَ حُطَامُ

تَشَكَّلَ فِيها كُلُّ شَيِءٍ بِشَكْلِ مَا ** يُعَانِدُهُ وَالنَّاسُ عنهُ نِيَامُ

تَرَى النَّقْصَ فِي زِي الكَمَالِ كَأَنَّمَا ** عَلَى رَأْسِ رَبَّاتِ الحِجَالِ عِمَامُ

فَدَعْهَا وَنَعْمَاهَا هَنِيْئاً لأَهْلِهَا ** وَلاَ تَكُ فِيها رَاعِياً وَسَوَامُ

تَعَافُ العَرَانِيْنُ السِمَّاطَ عَلَى الخِوَى ** إِذَا مَا تَصَدَّى لِلطَّعَامِ طَغَامُ

عَلَى أَنَّهَا لاَ يُسْتَطَاعُ مَنَالُهَا ** لِمَا لَيْسَ فِيه عُرْوَةٌ وَعِصَامُ

ولَوْ أَنْتَ تَسْعَى إِثْرَهَا أَلْفُ حَجَّةٍ ** وَقَدْ جَاوَزَ الطِبْيَيْنِ مِنْكَ جِزَامُ

رَجَعْتَ وقَدْ ضَلَّتْ مَسَاعِيْكَ كُلُّهَا ** بِخُفَيْ حُنَيْنٍ لاَ تَزَالُ تُلامُ

هَبِ إِنَّ مَقَالِيْدَ الأمُورِ مَلَكْتَهَا ** وَدَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ هُمَامُ

وَمُتِّعْتَ باللَّذْاتِ دَهْراً بِغِبْطَةٍ ** ألَيْسَ بِحَتْمً بَعْدَ ذَلِكَ حِمَامُ

فَبَيْنَ البَرايَا والخُلُودِ تَبَايُنٌ ** وبَيْنَ الْمَنَايَا والنُّفُوسِ لِزَامُ

قَضَيَّة أنْقادَ الأنَامُ لِحُكْمِهَا ** ومَا حَادَ عنهَا سَيِدٌ وغُلاَمُ

ضَرُورْيَةُ تَقِضْيْ العُقُولُ بِصِدْقِهَا ** سَلْ إِنْ كَانَ فِيها مِرْيَةٌ وخِصَامُ

سَلْ الأرض عن حَالِ المُلُوكِ الَّتِي خَلَتْ ** لَهُمْ فَوقَ فَوقَ الفْرْقَدَيْنِ مَقَامُ

اِبوْابِهْمِ لِلوافِدْيْنَ تَرَاكُمُ ** بِأعْتَابِهِم لِلعَاكِفْيِنَ زِحَامُ

تُجْبكَ عن أَسْرارِ السُيُوفِ الَّتِي جَرَتْ ** عَلَيْهِمْ جَواباً لَيْسَ فِيه كَلاَمُ

بِأْنَّ الْمَنَايَا أَقَصْدَتْهمُ نِبَالُهَا ** ومَا طَاشَ عن مَرْمَى لَهُنَّ سِهَامُ

وَسيِقُوا مَسَاقَ الغَابِرينَ إَلى الرَدَي ** وَأْفْقَرَ مِنْهُمْ مَزَلٌ وَمَقَامُ

وَحُلوا مَحَلاً غَيْرَ مَا يَعْهَدُوْنَهُ ** فلَيْسَ لَهُمْ حَتَّى القِيَامُ قِيَامُ

ألَمَّ بِهِمْ رَيبُ المَنُوْنِ فَعَالَهُمْ ** فَهُمْ بَيْنَ أَطْبَاقِ الرُغَامِ رُغَامُ

اللَّهُمَّ خفف عنا الأوزار وارزقنا عيشة الأبْرَار واصرف عنا شر الأشْرَار واعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار يا عزيز يا غفار يا كريم يا ستار ويا حليم يا جبار وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.